كان السلف الصالح -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- يسمون العام الذي خصص أو المطلق الذي قيد نسخاً، ففي أيام الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم كانوا يسمون بعض الأحكام محكمة وبعضها منسوخة كما في آية: ((مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)) [آل عمران:7] فالمنسوخ عندهم أي: الذي قيد أو خصص أو بُيِّن، فعدم إرادة الظاهر بإطلاق يسمى عندهم في الجملة منسوخ، لكن علماء الأصول المتأخرين حددوا هذه الألفاظ بتحديدات اصطلاحية فنية، وذهبوا إِلَى أن النسخ هو تغيير الحكم أو تبديله، وأن تخصيص العام وتقييد المطلق وبيان المجمل لا يسمى نسخاً.
فمثلاً: كل لفظ جَاءَ في الحث عَلَى إقامة الصلاة فهذا لفظ عام يشمل جميع الْمُسْلِمِينَ، لكن الحائض والنفساء، لا تدخل في هذا اللفظ العام. إذاً هذا العموم يُخصُ منه الحائض والنفساء، ومثل: عتق الرقبة في الكفارات، فقد جعل في بعض الآيات مطلقاً وفي بعضها مقيداً بالإيمان، كما قال تعالى:: ((فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ)) [النساء:92] فذاك يسمى إطلاق وهذا يسمى تقييد وكذلك الآيات التي جاءت تدل عَلَى الجهاد مثل آيات الاستنفار ((انْفِرُوا خِفَافاً)) [التوبة:41].
فهذه الآيات تدل عَلَى أن كل مسلم يجب عليه أن ينفر، فجاءت آيات وأحاديث أخرى تخصص الضعفاء والمرضى الذين لا يجدون نفقة الجهاد، والذي لم يستأذن أبويه، أو كَانَ أبواه ضعيفين وهكذا: فالألفاظ التي في الكتاب والسنة التي لا يؤخذ ظاهرها بإطلاق، مثل العام المخصص، أو المطلق المقيد، أو المجمل المبين وهذا لا يكون إلا في الأحكام إلا أنه قد تشتبه بعض المعاني، فنحتاج إِلَى أن نجمع بين النصوص في غير الأحكام في أمور العقيدة كما يأتي، مثل: أمور الوعد والوعيد وما أشبه ذلك، لكن هذه ليست هي الأصل فيما نقوله هنا؛ بل تدخل في قسم المتشابه عَلَى قول بعض السلف
.
فالمقصود: أن نعرف أن بعض ألفاظ الكتاب والسنة يراد بها غير ظاهرها -كما سبق- أما أن يأتي لفظ من الكتاب والسنة ويغير معناه بالكلية إِلَى معنى آخر بعيد لمجرد قرينه عقلية كما يسميها أصحابها فلا. هذا هو التأويل الذي وقع فيه المتأخرون.